فصل: ذكر غزوة بدر الكبرى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


 ذكر هجرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

لما تتابع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة أقام هو بمكة ينتظر ما يؤمر به من ذلك وتخلف معه علي بن أبي طالب وأبو بكر الصديق‏.‏

فلما رأت قريش ذلك حذروا خروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاجتمعوا في دار الندوة وهي دار قصي بن كلاب وتشاوروا فيها فدخل معهم إبليس في صورة شيخ وقال‏:‏ أنا من أهل نجد سمعت بخبركم فحضرت وعسى أن لا تعدموا مني رأيًا‏.‏

وكانوا عتبة وشيبة وأبا سفيان وطعيمة بن عدي وحبيب بن مطعم والحارث بن عامر والنضر بن الحارث وأبا البختري بن هشام وربيعة بن الأسود وحكيم بن حزام وأبا جهل ونبيهًا ومنبهًا ابني الحجاج وأمية بن خلف وغيرهم‏.‏

فقال بعضهم لبعض‏:‏ إن هذا الرجل قد كان من أمره ما كان وما نأمنه على الوثوب علينا بمن اتبعه فأجمعوا فيه رأيًا فقال بعضهم‏:‏ احبسوه في الحديد وأغلقوا عليه بابًا ثم تربصوا به ما أصاب الشعراء قبله‏.‏

فقال النجدي‏:‏ ما هذا لكم برأي لو حبستموه يخرج أمره من وراء الباب إلى أصحابه فلأوشكوا أن يثبوا عليكم فينتزعوه من أيديكم‏.‏

فقال آخر‏:‏ نخرجه وننفيه من بلدنا ولا نبالي أين وقع إذا غاب عنا‏.‏

فقال النجدي‏:‏ ألم تروا حسن حديثه وحلاوة منطقه لو فعلتم ذلك لحل على حي من أحياء العرب فيغلب عليهم بحلاوة منطقه ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم ويأخذ أمركم من أيديكم‏.‏

فقال أبو جهل‏:‏ أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتىً نسيبًا ونعطي كل فتى منهم سيفًا ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيقتلونه فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلها فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعًا ورضوا منا بالعقل‏.‏

فقال النجدي‏:‏ القول ما قال الرجل هذا الرأي الذي لا رأي غيره فتفرقوا على ذلك‏.‏

فأتى جبرائيل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ لا تبت الليلة على فراشك‏.‏

فلما كان العتمة اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه فلما رآهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعلي بن أبي طالب‏:‏ نم على فراشي واتشح ببردي الأخضرى فنم فيه فإنه لا يخلص إليك شيء تكرهه وأمره أن يؤدي ما عنده من وديعة وأمانة وغير ذلك‏.‏

وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذ حفنةً من تراب فجعله على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من ‏{‏يس وَالقُرْآنِ الحَكِيمِ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 1‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 1‏:‏ 9‏]‏‏.‏

ثم انصرف لم يروه فأتاهم آتٍ فقال‏:‏ ما تنتظرون قالوا‏:‏ محمدًا‏.‏

قال‏:‏ خيبكم الله خرج عليكم ولم يترك أحدًا منكم إلا جعل على رأسه التراب وانطلق لحاجته‏!‏ فوضعوا أيديهم على رؤوسهم فرأوا التراب وجعلوا ينظرون فيرون عليًا نائمًا وعليه برد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقولون‏:‏ إن محمدًا لنائمٌ فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا‏.‏

فقام علي عن الفراش فعرفوه وأنزل الله في ذلك‏:‏ ‏{‏وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ‏}‏ ‏[‏ الأنفال‏:‏ 30‏]‏‏.‏ وسأل أولئك الرهط عليًا عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ لا أدرين أمرتموه بالخروج فخرج‏.‏

فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعةً ثم تركوه ونجى الله رسوله من مكرهم وأمره بالهجرة وقام علي يؤدي أمانة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويفعل ما أمره‏.‏

وقالت عائشة‏:‏ كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يخطئه أحد طرفي النهار أن يأتي بيت أبي بكر إما بكرةً أو عشيةً حتى كان اليوم الذي أذن الله فيه لرسوله بالهجرة فأتانا بالهاجرة فلما رآه أبو بكر قال‏:‏ ما جاء هذه الساعة إلا لأمر حدث‏.‏

فلما دخل جلس على السرير وقال‏:‏ أخرج من عندك‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله إنما هما ابنتاي وما ذاك قال‏:‏ إن الله قد أذن لي في الخروج‏.‏

فقال أبو بكر‏:‏ الصحبة يا رسول الله‏!‏ قال‏:‏ الصحبة فبكى أبو بكر من الفرح فاستأجر عبد الله بن أرقد من بني الديل بن بكر وكان مشركًا يدلهما على الطريق ولم يعلم بخروج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غير أبي بكر وعلي وآل أبي بكر فأما علي فأمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتخلف عنه حتى يؤدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الودائع التي كانت عنده ثم يلحقه‏.‏

وخرجا من خوخة في بيت أبي بكر في ظهر بيته ثم عمدا إلى غار بثور فدخلاه وأمر أبو بكر ابنه عبد الله أن يستمع لهما بمكة نهاره ثم يأتيهما ليلًا وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ثم يأتيهما بها ليلًا وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بطعامهما مساء فأقاما في الغار ثلاثًا‏.‏

وجعلت قريش مائة ناقةٍ لمن رده عليهم‏.‏

وكان عبد الله بن أبي بكر إذا غدا من عندهما اتبع عامر بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفي‏.‏

فلما مضت الثلاث وسكن الناس أتاهما دليلهما ببعيريهما فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدهما بالثمن فركبه وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بسفرتهما ونسيت أن تجعل لها عصامًا فحلت نطاقها فجعلته عصامًا وعلقت السفرة به وكان يقال لأسماء ذات النطاقين لذلك‏.‏

ثم ركبا وسارا وأردف أبو بكر مولاه عامر بن فهيرة يخدمهما في الطريق فساروا ليلتهم ومن الغد إلى الظهر ورأوا صخرة طويلة فسوا أبو بكر عندها مكانًا ليقيل فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليستظل بظلها فنام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرسه أبو بكر حتى رحلوا بعدما زالت الشمس‏.‏

وكانت قريش قد جعلت لمن يأتي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ديةً فتبعهم سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي فلحقهم وهم في أرض صلبة فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله أدركنا الطلب‏!‏ فقال‏:‏ ‏{لاَ تَحْزَنْ إنَّ اللهَ مَعَنَا‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 40‏]‏‏.‏ ودعا عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فارتطمت فرسه إلى بطنها وثار من تحتها مثل الدخان‏.‏

فقال‏:‏ ادع لي يا محمد ليخلصني الله ولك علي أن أرد عنك الطلب فدعا له فتخلص فعادي تبعهم فدعا عليه الثانية فساخت قوائم فرسه في الأرض أشد من الأولى فقال‏:‏ يا محمد قد علمت أن هذا من دعائك علي فادع لي ولك عهد الله أن أرد عنك الطلب‏.‏

فدعا له فخلص وقرب من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال له‏:‏ يا رسول الله خذ سهمًا من كنانتي وإن إبلي بمكان كذا فخذ منها ما أحببت‏.‏

فقال‏:‏ لا حاجة لي في إبلك‏.‏

فلما أراد أن يعود عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى قال‏:‏ كسرى بن هرمز قال‏:‏ نعم‏.‏

فعاد سراقة فكان لا يلقاه أحد يريد الطلب إلا قال‏:‏ كفيتم ما ها هنا ولا يلقى أحدًا إلا رده‏.‏

قالت أسماء بنت أبي بكر‏:‏ لما هاجر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتانا نفرٌ من قريش فيه أبو جهلٍ فوقفوا على باب أبي بكر فقالوا‏:‏ أين أبوك قلت‏:‏ لا أدري فرفع أبو جهل يده فلطم خدي لطمةً طرح قرطي وكان فاحشًا خبيثًا‏.‏

ومكثنا مليًا لا ندري أين توجه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى أتى رجل من الجن من أسفل مكة والناس يتبعونه يسمعون صوته ولا يرون شخصه وهو يقول‏:‏ هما نزلا بالهدي واغتديا به فأفلح من أمسى رفيق محمّد ليهنئ بني كعبٍ مكان فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد قالت‏:‏ فلما سمعنا قوله عرفنا أن وجهه كان إلى المدينة‏.‏

وقدم بهما دليلهما قباء فنزل على بني عمرو بن عوف لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول يوم الاثنين حين كادت الشمس تعتدل فنزل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كلثوم بن الهدم أخي بني عمرو بن عوف وقيل‏:‏ نزل على سعد بن خيثمة وكان عزبًا وكان ينزل عنده العزاب من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان يقال لبيته بيت العزاب والله أعلم‏.‏

ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف بالسنح وقيل‏:‏ نزل على خارجة بن زيد أخي بني الحارث بن الخزرج‏.‏

وأما علي فإنه لما فرغ من الذي أمره به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هاجر إلى المدينة فكان يسير الليل ويكمن النهار حتى قدم المدينة وقد تفطرت قدماه فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ادعوا لي عليًا‏.‏

قيل‏:‏ لا يقدر أن يمشي‏.‏

فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واعتنقه وبكى رحمةً لما بقدميه من الورم وتفل في يديه وأمرهما على قدميه لم يشتكهما بعد حتى قتل‏.‏

ونزل بالمدينة على امرأة لا زوج لها فرأى إنسانًا يأتيها كل ليلة ويعطيها شيئًا فاستراب بها فسألها عنه فقالت‏:‏ هو سهل بن حنيف قد علم أني امرأة لا زوج لي فهو يكسر أصنام قومه ويحملها إلي ويقول‏:‏ احتطبي بهذه‏.‏

فكان علي يذكر ذلك عن سهل بن حنيف بعد موته‏.‏

وأقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة وقيل‏:‏ أقام عندهم أكثر من ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

وأدركت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي ببطن الوادي فكانت أول جمعة صلاها بالمدينة‏.‏

قال ابن عباس‏:‏ ولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الاثنين واستنبئ يوم الاثنين ورفع الحجر الأسود يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين وقبض يوم الاثنين‏.‏

واختلف العلماء في مقامه بمكة بعد أن أوحي إليه فقال أنس وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ من رواية أبي سلمة عنه وعائشة‏:‏ إنه أقام بمكة عشر سنين ومثلهم قال من التابعين ابن المسيب والحسن وعمرو بن دينار وقيل‏:‏ أقام ثلاث عشرة سنة قاله ابن عباس من رواية أبي جمرة وعكرمة أيضًا عنه ولعل الذي قال أقام عشر سنين أراد بعد إظهار الدعوة فإنه بقي سنين يسيرة ومما يقوي هذا القول قول صرمة بن أنس الأنصاري شعر‏:‏ ثوى في قريشٍ بضع عشرة حجّةً يذكّر لو يلقى صديقًا مواتيا فهذا يدل على مقامه ثلاث عشرة سنة لأنه قد زاد على عشر سنين فلو كان خمس عشرة لصح الوزن وكذلك ست عشرة وسبع عشرة وحيث لم يستقم الوزن بأن يقول ثلاث عشرة قال بضع عشرة ولم ينقل في مقام زيادة على عشر سنين إلا ثلاث عشرة وخمس عشرة‏.‏

وقد روي عن قتادة قول غريب جدًا وذلك أنه قال‏:‏ نزل القرآن على النبي‏:‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ثماني سنين ولم يوافقه غيره‏.‏

 ذكر ما كان من الأمور أول سنة من الهجرة

فمن ذلك تجميعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأصحابه الجمعة في اليوم الذي نزل فيه من قباء في بني سالم في بطن وادٍ لهم وهي أول جمعة جمعها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الإسلام وخطبهم وهي أول خطبة‏.‏

وكان رحل من قباء يريد المدينة فركب ناقته وأرخى زمامها فكان لا يمر بدار من دور الأنصار إلا قالوا‏:‏ هلم يا رسول الله إلى العدد والعدة والمنعة‏.‏

فيقول‏:‏ خلوا سبيلها فإنها مأمورة حتى انتهى إلى موضع مسجده اليوم فبركت على باب مسجده وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين في حجر معاذ بن عفراء وهما سهل وسهل ابنا عمرو من بني النجار فلما بركت لم ينزل عنها ثم وثبت فسارت غير بعيد ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واضع لها زمامها لا يثنيها به فالتفتت خلفها ثم رجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه ووضعت جرانها فنزل عنها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحتمل أبو أيوب الأنصار رحله وسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المربد فقال معاذ بن عفراء‏:‏ هو ليتيمين لي وسأرضيهما من ثمنه فأمر به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يبنى مسجدًا وأقام عند أبي أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه‏.‏

وقيل‏:‏ إن موضع المسجد كان لبني النجار فيه نخل وحرث وقبور المشركين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثامنوني به‏.‏

فقالوا‏:‏ لا يبغى به إلا ما عند الله‏.‏

فأمر به فبنى مسجده وكان قبله يصلي حيث أدركته الصلاة وبناه هو والمهاجرون والأنصار وهو الصحيح‏.‏

وفيها بني مسجد قباء‏.‏

وفيها أيضًا توفى كلثوم بن الهدم‏.‏

وتوفي بعده أسعد بن زرارة وكان نقيب بني النجار فاجتمع بنو النجار وطلبوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقيم لهم نقيبًا فقال لهم‏:‏ أنتم إخواني وأنا نقيبكم فكان فضيلة لهم‏.‏

وفيها مات أبو أحيحة بالطائف والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي بمكة مشركين‏.‏ وفيها بني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعائشة بعد مقدمة المدينة بثمانية أشهر وقيل بسبعة أشهر في ذي القعدة وقيل في شوال وكان تزوجها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين بعد وفاة خديجة وهي ابنة ست سنين وقيل ابنة سبع سنين‏.‏

وفيها هاجرت سودة بنت زمعة زوج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبناته ما عدا زينب وهاجر أيضًا عيال أبي بكر ومعهم ابنه عبد الله وطلحة بن عبيد الله‏.‏

وفيها زيد في صلاة العصر ركعتان بعد مقدمة المدينة بشهر‏.‏

وفيها ولد عبد الله بن الزبير وقيل في السنة الثانية في شوال وكان أول مولود للمهاجرين بالمدينة وكان النعمان بن بشير أول مولود للأنصار بعد الهجرة وقيل‏:‏ إن المختار بن أبي عبيد وزياد ابن أبيه ولدا فيها‏.‏

وفيها على رأس سبعة أشهر عقد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمه حمزة لواء أبيض في ثلاثين رجلًا من المهاجرين ليعرضوا عير قريش فلقي أبا جهل في ثلاثمائة رجل فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان يحمل اللواء أبو مرثد وهو أول لواء عقده‏.‏

وفيها أيضًا عقد لواء لعبيدة بن الحارث بن المطلب وكان أبيض يحمله مسطح بن أثاثة فالتقى هو والمشركون فكان بينهم الرمي دون المسايفة وكان سعد بن أبي وقاص أول من رمى بسهم في سبيل الله وكان المقداد بن عمرو وعتبة بن غزوان مسلمين وهما بمكة فخرجا مع المشركين يتوصلان بذلك فلما لقيهم المسلمون انحازا إليهم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ كان لواء أبي عبيدة أول لواء عقده وإنما اشتبه ذلك لقرب بعضها ببعض وكان على المشركين أبو سفيان بن حرب وقيل مكرز بن حفص بن الأخيف وقيل عكرمة بن أبي جهل‏.‏

والأخيف بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحتها‏.‏

وفيها عقد لواء لسعد بن أبي وقاص وسيره إلى الأبواء وكان يحمل اللواء المقداد بن الأسود وكان مسيره في ذي القعدة وجميع من معه من المهاجرين فلم يلق حربًا‏.‏

جعل الواقدي هذه السرايا جميعها في السنة الأولى من الهجرة وجعلها ابن إسحاق في السنة الثانية فقال‏:‏ على رأس اثني عشر شهرًا من مقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة خرج غازيًا واستخلف على المدينة سعد بن عبادة فبلغ ودان يريد قريشًا وبني ضمرة من كنانة وهي غزاة الأبواء بينهما ستة أميال فوادعته فيها بنو ضمرة ورئيسهم مخشي بن عمرو ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدًا وذكر ابن إسحاق بعد هذه الغزوة غزوة عبيدة بن الحارث ثم غزوة حمزة بن عبد المطلب‏.‏

وفيها كان غزاة بواط خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مائتين من أصحابه في شهر ربيع الآخر يعني سنة اثنتين يريد قريشًا حتى بلغ بواط من ناحية رضوى وكان في عير قريش أمية بن خلف الجمحي في مائة رجل ومعهم ألفان وخمسمائة بعير فرجع ولم يلق كيدًا وكان يحمل لواء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سعد بن أبي وقاص واستخلف على المدينة سعد بن معاذ‏.‏

بواط بفتح الباء الموحدة وبالطاء المهملة‏.‏

وفيها غزا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزوة العشيرة من ينبع في جمادي الأولى يريد قريشًا حين ساروا إلى الشام فلما وصل العشيرة وادع بني مدلج وحلفاءهم من مضرة ورجع ولم يلق كيدًا واستخلف على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد وكان يحمل لواءه حمزة وفي هذه الغزوة كنى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليًا أبا تراب في قول بعضهم‏.‏

وفيها أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى بلغ واديًا يقال له سفوان من ناحية بدر وفاته كرز وكان لواؤه مع علي واستخلف على المدينة زيد بن حارثة‏.‏

وفيها بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سعد بن أبي وقاص في سرية ثمانية رهط فرجع ولم يلق كيدًا‏.‏

وفيها جاء أبو قيس بن الأسلت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعرض عليه الإسلام فقال‏:‏ ما أحسن ما تدعو إليه‏!‏ سأنظر في أمري ثم أعود‏.‏

فلقيه عبد الله بن أبي المنافق فقال‏:‏ كرهت قتال الخزرج‏.‏

فقال أبو قيس‏:‏ لا أسلم إلى سنة فمات في ذي القعدة‏.‏

 ثم دخلت السنة الثانية من الهجرة

في هذه السنة غزا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قول بعض أهل السير غزوة الأبواء ويقال ودان وبينهما ستة أميال واستخلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة سعد بن عبادة وكان لواؤه أبيض مع حمزة بن عبد المطلب وقد تقدم ذكرها‏.‏

وفيها زوج علي بن أبي طالب فاطمة في صفر‏.‏

 ذكر سرية عبد الله بن جحش

أمر رسول الله أبا عبيدة بن الجراح أن يتجهز للغزو فتجهز فلما أراد المسير بكى صبابة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبعث مكانه عبد الله بن جحش في جمادى الآخرة معه ثمانية رهط من المهاجرين وقيل اثنا عشر رجلًا وكتب له كتابًا وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ولا يكره أحدًا من أصحابه ففعل ذلك ثم قرأ الكتاب وفيه يأمره بنزول نخلة بين مكة والطائف فيرصد قريشًا ويعلم أخبارهم فأعلم أصحابه فساروا معه وأضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرًا لهما يعتقبانه فتخلفا في طلبه ومضى عبد الله ونزل بنخلة فمرت عير لقريش تحمل زبيبًا وغيره فيها عمرو بن الحضرمي وعثمان بن عبد الله بن المغيرة وأخوه نوفل والحكم بن كيسان فأشرف لهم عكاشة بن محصن وقد حلق رأسه‏.‏

فلما رأوه قالوا‏:‏ عمارٌ لا بأس عليكم منهم وذلك آخر يوم من رجب فرمى واقد بن عبد الله التيمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان والحكم وهرب نوفل وغنم المسلمون ما معهم فقال عبد الله بن جحش‏:‏ إن لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خمس ما غنمتم وذلك قبل أن يفرض الخمس وكانت أول غنيمة غنمها المسلمون وأول خمس في الإسلام‏.‏

وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسرى إلى المدينة‏.‏

فلما قدموا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام فوقف العير والأسيرين فسقط في أيديهم وعنفهم المسلمون وقال قريش‏:‏ قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام‏.‏

وقالت اليهود تفأأل بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عمرو بن الحضرمي قتله واقد بن عبد الله‏:‏ عمرو عمرت الحرب والحضرمي حضرت الحرب وواقد وقدت الحرب‏.‏

فأنزل الله‏:‏ ‏{‏يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ‏}‏ الآية ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏‏.‏

فلما نزل القرآن وفرج الله عن المسلمين قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العير وكانت أول غنيمة أصابوها وفدى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأسيرين‏.‏

فأما الحكم فأقام مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأسلم وحسن اسلامه حتى قتل يوم بئر معونة‏.‏وفيها صرفت القبلة من الشام إلى الكعبة وكان أول ما فرضت القبلة إلى بيت المقدس والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة وكان يحب استقبال الكعبة وكان يصلي ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس‏.‏

فلما هاجر إلى المدينة لم يمكنه ذلك وكان يؤثر أن يصرف إلى الكعبة فأمره الله أن يستقبل الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرًا من قدومه المدينة وقيل‏:‏ على رأس ستة عشر شهرًا في صلاة الظهر‏.‏

وفيها أيضًا في شعبان فرض صوم شهر رمضان وكان لما قدم المدينة رأى اليهود تصوم عاشوراء فصامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان لم يأمرهم بصوم عاشوراء ولم ينههم‏.‏

وفيها أمر الناس بإخراج زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين‏.‏

وفيها خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المصلى فصلى بهم صلاة العيد وكان ذلك أول خرجة خرجها وحملت بين يديه العنزة وكانت للزبير وهبها له النجاشي وهي اليوم للمؤذنين في المدينة‏.‏

 ذكر غزوة بدر الكبرى

وفي السنة الثانية كانت وقعة بدر الكبرى في شهر رمضان في السابع عشر وقيل التاسع عشر وكانت يوم الجمعة‏.‏ وكان سببها قتل عمرو بن الحضرمي وإقبال أبي سفيان بن حرب في عير لقريش عظيمة من الشام وفيها أموال كثيرة ومعها ثلاثون رجلًا أو أربعون وقيل‏:‏ قريبًا من سبعين رجلًا من قريش منهم‏:‏ مخرمة بن نوفل الزهري وعمرو بن العاص فلما سمع بهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ندب المسلمين إليهم وقال‏:‏ هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله أن ينفلكموها‏.‏

فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم وذلك لأنهم لم يظنوا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يلقى حربًا‏.‏

وكان أبو سفيان قد سمع أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يريده فحذر واستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري فبعثه إلى مكة يستنفر قريشًا ويخبرهم الخبر فخرج ضمضم إلى مكة‏.‏

وكانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليالٍ رؤيا أفزعتها فقصتها على أخيها العباس واستكتمته خبرها قالت‏:‏ رأيت راكبًا على بعير له حتى وقف بالأبطح ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ أن انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث‏!‏ قالت‏:‏ فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد فمثل بعيره على الكعبة ثم صرخ مثلها ثم مثل بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ مثلها ثم أخذ صخرة عظيمة وأرسلها فلما كانت بأسفل الوادي ارفضت فما بقي بيت من مكة إلا دخله فلقة منها‏.‏فخرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان صديقه فذكرها له واستكتمه ذلك فذكرها الوليد لأبيه عتبة ففشا الخبر فلقي أبو جهل العباس فقال له‏:‏ يا أبا الفضل أقبل إلينا‏.‏

قال‏:‏ فلما فرغت من طوافي أقبلت إليه فقال لي‏:‏ متى حدثت فيكم هذه النبية وذكر رؤيا عاتكة ثم قال‏:‏ ما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم‏!‏ فسنتربص بكم هذه الثلاث فإن يكن حقًا وإلا كتبنا عليكم أنكم أكذب أهل بيت في العرب‏.‏

قال العباس‏:‏ فما كان مني إليه إلا أني جحدت ذلك وأنكرته فلما أمسيت أتاني نساء بني عبد المطلب وقلن لي‏:‏ أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم وقد تناول نساءكم ولم تنكر عليه ذلك‏!‏ قال قلت‏:‏ والله كان ذلك ولأتعرضن له فإن عاد كفيتكموه‏.‏

قال‏:‏ فغدوت اليوم الثالث من رؤيا عاتكة وأنا مغضب أحب أن أدركه فرأيته في المسجد فمشيت نحوه أتعرض له ليعود فأوقع به فخرج نحو باب المسجد يشتد قال قلت‏:‏ ما باله قاتله الله‏!‏ أكل هذا فرقًا من أن أشاتمه‏!‏ وإذا هو قد سمع ما لم أسمع صوت ضمضم بن عمرو وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره قد جدعه وحول رحله وشق قميصه وهو يقول‏:‏ يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة‏!‏ أموالكم مع أبي سفيان قد عرض له محمد وأصحابه لا أدري إن تدركوها الغوث الغوث‏!‏ فشغلني عنه وشغله عني‏.‏قال‏:‏ فتجهز الناس سراعًا ولم يتخلف من أشرافهم أحدٌ إلا أبا لهب وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وعزم أمية بن خلف الجمحي على القعود فإنه كان شيخًا ثقيلًا بطيئًا فأتاه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها نار وما يتبخر به وقال‏:‏ يا أبا علي استجمر فإنما أنت من النساء‏.‏

فقال‏:‏ قبحك الله وقبح ما جئت به‏!‏ وتجهز وخرج معهم‏.‏

وعزم عتبة بن ربيعة أيضًا على القعود فقال له أخوه شيبة‏:‏ إن فارقنا قومنا كان ذلك سبة علينا فامض مع قومك فمشى معهم‏.‏

فلما أجمعوا على المسير ذكروا ما بينهم وبين بكر بن عبد مناة بن كنانة ابن الحارث فخافوا أن يؤتوا من خلفهم فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن جعشم المدلجي وكان من أشراف كنانة وقال‏:‏ أنا جار لكم فاخرجوا سراعًا‏.‏

وكانوا تسعمائة وخمسين رجلًا وقيل‏:‏ كانوا ألف رجل وكانت خيلهم مائة فرس فنجا منها سبعون فرسًا وغنم المسلمون ثلاثين فرسًا وكان مع المشركين سبعمائة بعير‏.‏

وكان مسير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لثلاث ليال خلون من شهر رمضان في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا وقيل أربعة عشر وقيل بضعة عشر رجلًا وقيل ثمانية عشر وقيل كانوا سبعة وسبعين من المهاجرين وقيل ثلاثة وثمانون والباقون من الأنصار فقيل‏:‏ جميع من ضرب له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بسهم من المهاجرين ثلاثة وثمانون رجلًا ومن الأوس أحد وسبعون رجلًا ومن الخزرج مائة وسبعون رجلًا ولم يكن فيهم غير فارسين أحدهما المقداد بن عمرو الكندي ولا خلاف فيه والثاني قيل كان الزبير بن العوام وقيل كان مرثد بن أبي مرثد وقيل المقداد وحده وكانت الإبل سبعين بعيرًا فكانوا يتعاقبون عليها البعير بين الرجلين والثلاثة والأربعة فكان بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلي وزيرد بن حارثة بعير وبين أبي بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف بعير وعلى مثل هذا‏.‏

وكان فرس المقداد اسمه سبحة وفرس الزبير اسمه السيل وكان لواؤه مع مصعب بن عمير بن عبد الدار ورأيته مع علي بن أبي طالب وعلى الساقة قيس بن أبي صعصعة الأنصاري‏.‏

فلما كان قريبًا من الصفراء بعث بسبس بن عمرو وعدي بن بي الزغباء الجهنيين يتجسسان الأخبار عن أبي سفيان ثم ارتحل رسول الله صلى الله عيه وسلم وترك الصفراء يسارًا وعاد إليه بسبس بن عمرو ويخبره أن العير قد قاربت بدرًا ولم يكن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين علم بمسير قريش لمنع عيرهم وكان قد بعث عليًا والزبير وسعدًا يلتمسون له الخبر ببدر فأصابوا راوية لقريش فيهم أسلم غلام بني الجحجاح وأبو يسار غلام بني العاص‏.‏

فأتوا بهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو قائم يصلي فسألوهما فقالا‏:‏ نحن سقاة قريش بعثونا نسقيهم من الماء فكره القوم خبرهما وضربوهما ليخبروهما عن أبي سفيان‏.‏

فقالا‏:‏ نحن لأبي سفيان فتركوهما‏.‏

وفرغ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصلاة وقال‏:‏ إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما صدقا إنهما لقريش أخبراني أين قريش قالا‏:‏ هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ كم القوم قالا‏:‏ كثير‏.‏

قال‏:‏ كم عدتهم قالا‏:‏ لا ندري‏.‏

قال‏:‏ كم ينحرفون قالا‏:‏ يومًا تسعًا ويومًا عشرًا‏.‏

قال‏:‏ القوم بين تسعمائة إلى الألف‏.‏

ثم قال لهما‏:‏ فمن فيهم من أشراف قريش قالا‏:‏ عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام والحارث بن عامر وطعيمة بن عدي والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود وأبو جهل وأمية بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وسهيل بن عمرو وعمرو بن عبد ود‏.‏

فأقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه وقال‏:‏ هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها‏.‏

ثم استشار أصحابه فقال أبو بكر فأحسن ثم قال عمر فأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال‏:‏ يا رسول الله امض لما أمرك الله فنحن معك والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 24‏]‏‏.‏ ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد يعني مدينة الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه‏.‏

فدعا لهم بخير ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أشيروا علي أيها الناس وإنما يريد الأنصار لأنهم كانوا عدد الناس وخاف أن لا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلا ممن دهمه بالمدينة وليس عيهم أن يسير بهم‏.‏

فقال له سعد بن معاذ‏:‏ لكأنك تريدنا يا رسول الله قال‏:‏ أجل‏.‏

قال‏:‏ قد آمنا بك وصدقناك وأعطيناك عهودنا فامض يا رسول الله لما أمرت فوالذي بعثك بالحق إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لنخوضنه معك وما نكره أن تكون تلقى العدو بنا غدًا إنا لصبرٌ عند الحرب صدقٌ عند اللقاء لعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله‏!‏ فسار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال‏:‏ أبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم‏.‏

ثم انحط على بدر فنزل قريبًا منها‏.‏

وكان أبو سفيان قد ساحل وترك بدرًا يسارًا ثم أسرع فنجا فلما رأى أنه قد أحرز عيره أرسل إلى قريش وهم بالجحفة‏:‏ إن الله قد نجى عيركم وأموالكم فارجعوا‏.‏

فقال أبو جهل بن هشام‏:‏ والله لا نرجع حتى نرد بدرًا وكان بدر موسمًا من مواسم العرب تجتمع لهم بها سوق كل عام فنقيم بها ثلاثًا فننحر الجزر ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدًا‏.‏

فقال الأخنس بن شريق الثقفي وكان حليفًا لبني زهرة وهم بالجحفة‏:‏ يا بني زهرة قد نجى الله أموالكم وصاحبكم فارجعوا‏.‏

فرجعوا فلم يشهدها زهري ولا عدوي وشهدها سائر بطون قريش‏.‏

ولما كانت قريش بالجحفة رأى جهيم بن الصلت بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف رؤيا فقال‏:‏ إني رأيت فيما يرى النائم رجلًا أقبل على فرس ومعه بعير له فقال‏:‏ قتل عتبة وشيبة وأبو جهل وغيرهم ممن قتل يومئذ ورأيته ضرب لبة بعيرة ثم أرسله في العسكر فما بقي خباء إلا أصابه من دمه‏.‏

فقال أبو جهل‏:‏ وهذا أيضًا نبي من بني المطلب سيعلم غدًا من المقتول‏.‏

وكان بين طالب بن أبي طالب وهو في القوم وبين بعض قريش محاورةٌ فقالوا‏:‏ والله قد عرفنا أن هواكم مع محمد‏.‏

فرجع طالب إلى مكة فيمن رجع وقيل‏:‏ إنما كان خرج كرهًا فلم يوجد في الأسرى ولا في القتلى ولا فيمن رجع إلى مكة وهو الذي يقول‏:‏ يا ربّ إمّا يغزونّ طالب في مقنب من هذه المقانب فيكن المسلوب غير السّالب وليكن المغلوب غير الغالب ومضت قريش حتى نزلت بالعدوة القصوى من الوادي وبعث الله السماء وكان الوادي دهسًا فأصاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه منه ما لبد لهم الأرض ولم يمنعهم المسير وأصاب قريشًا منه ما لم يقدروا على أن يرحلوا معه‏.‏

فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبادرهم إلى الماء حتى إذا جاء أدنى ماء من بدر نزله فقال الحباب بن المنذر بن الجموح‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أهذا منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخره أم هو الرأي والحرب والمكيدة قال‏:‏ بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله فإن هذا ليس لك بمنزل انهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء سواه من القوم فننزله ثم نعور ما وراءه من القلب ثم نبني عليه حوضًا ونملأه ماء فنشرب ماء ولا يشربون ثم نقاتلهم‏.‏

ففعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك‏.‏

فلما نزل جاءه سعد بن معاذ فقال‏:‏ يا رسول الله نبني لك عريشًا من جريد فتكون فيه ونترك عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا الله وأظهرنا الله عليهم كان ذلك مما أحببناه وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بما وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حبًا لك منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك يمنعك الله بهم يناصحونك ويحاربون معك‏.‏

فأثنى عليه خيرًا ثم بني لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عريشٌ وأقبلت قريش بخيلائها وفخرها فلما رآها قال‏:‏ اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك‏!‏ اللهم فنصرك الذي وعدتني‏!‏ اللهم أحنهم الغداة‏.‏

ورأى عتبة بن ربيعة على جمل أحمر فقال‏:‏ إن يكن عند أحد من القوم خيرٌ فعند صاحب الجمل الأحمر إن يطيعوه يرشدوا‏.‏

وكان خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري أو أبوه إيماء بعث إلى قريش حين مروا به ابنًا له بجزائر أهداها لهم وعرض عليهم المدد بالرجال والسلاح فقالت قريش‏:‏ إن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف وإن كنا نقاتل الله كما زعم محمد فما لأحد بالله طاقة‏.‏

فلما نزلت قريش أقبل جماعةٌ منهم حكيم بن حزام حتى وردوا حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اتركوهم فما شرب منه رجل إلا قتل يومئذٍ إلا حكيم نجا على فرس له يقال له الوجيه وأسلم بعد ذلك فحسن إسلامه وكان يقول إذا إجتهد في يمينه‏:‏ لا والذي نجاني يوم بدر‏.‏

ولما اطمأنت قريش بعثوا عمرو بن وهب الجمحي ليحزر المسلمين فجال بفرسه حولهم ثم عاد فقال‏:‏ هم ثلاثمائة يزيدون قليلًا أو ينقصون ولقد رأيت الولايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ليس لهم منعة إلا سيوفهم والله لا يقتل رجل منهم إلا يقتل رجلًا منكم فإذا أصابوا أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك فروا رأيكم‏.‏فلما سمع حكيم بن حزام ذلك مشى في القوم فأتى عتبة بن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها هل لك أن لا تزال تذكر فيها بخير إلى آخر الدهر قال‏:‏ وما ذاك قال‏:‏ ترجع بالناس وتحمل دم حليفك عمرو بن الحضرمي‏.‏

قال‏:‏ قد فعلت علي دمه وما أصيب من ماله فأت ابن الحنظلية يعني أبا جهل فلا أخشى أن يفسد أمر الناس غيره‏.‏

فقام عتبة في الناس فقال‏:‏ إنكم ما تصنون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا والله لئن أصبتموهم لا يزال رجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته‏.‏

قال حكيم بن حزام‏:‏ فانطلقت إلى أبي جهل فوجدته قد نثل درعًا وهو يهيئها فأعلمته ما قال عتبة فقال‏:‏ انتفخ والله سحره حين رأى محمدًا وأصحابه والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد وما بعتبة ما قال ولكن رأى ابنه أبا حذيفة فيهم وقد خافكم عليه‏.‏

ثم بعث إلى عامر بن الحضرمي فقال له‏:‏ هذا حليفك يريد أن يرجع إلى مكة بالناس وقد رأيت ثأرك بعينك فانشد خفرتك ومقتل أخيك‏.‏

فقام عامر وصرخ‏:‏ واعمراه واعمراه‏!‏ فحميت الحرب واستوسق الناس على الشر‏.‏

فلما بلغ عتبة قول أبي جهل‏:‏ انتفخ سحره قال‏:‏ سيعلم المصفر استه من انتفخ سحره أنا أم هو‏!‏ ثم التمس بيضة يدخلها رأسه فما وجد من عظم هامته فاعتجر ببرد له‏.‏وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي وكان سيئ الخلق فقال‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم ولأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏

فخرج إليه حمزة فضربه فأطن قدمه بنصف ساقه فوقع على الأرض ثم حبا إلى الحوض فاقتحم فيه ليبر يمينه وتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض‏.‏

ثم خرج عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ودعوا إلى المبارزة فخرج إليهم عوف ومعوذ ابنا عفراء وعبد الله بن رواحة كلهم من الأنصار فقالوا‏:‏ من أنتم قالوا‏:‏ من الأنصار‏.‏

فقالوا‏:‏ أكفاء كرام وما لنا بكم من حاجة ليخرج إلينا أكفاؤنا من قومنا‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قم يا حمزة قم يا عبيدة بن الحارث قم يا علي فقاموا ودنا بعضهم من بعض فبارز عبيدة بن الحارث بن المطلب وكان أمير القوم عتبة وبارز حمزة شيبة وبارز علي الوليد فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربتين كلاهما قد أثبت صاحبه وكر حمزة وعي على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة إلى أصحابه وقد قطعت رجله فلما أتوا به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ألست شهيدًا يا رسول الله قال‏:‏ بلى‏.‏

قال‏:‏ لو رآني أبو طالب لعلم أننا أحق منه بقوله‏:‏ ونسلمه حتى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل ثم مات وتزاحف القوم ودنا بعضهم من بعض وأبو جهل يقول‏:‏ اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لم وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم وقال‏:‏ إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل‏.‏

ونزل في الريش ومعه أبو بكر وهو يدعو ويقول‏:‏ اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض اللهم أنجز لي ما وعدتني‏.‏

ولم يزل حتى سقط رداؤه فوضعه عليه أبو بكر ثم قال له‏:‏ كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك‏.‏

وأغفى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العريش إفاءة وانتبه ثم قال‏:‏ يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبرائيل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع وأنزل الله‏:‏ ‏{‏إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏الأنفال‏:‏ 9‏]‏‏.‏

وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏ 45‏]‏‏.‏ وحرض المسلمين وقال‏:‏ والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر إلا أدخله الله الجنة‏.‏

فقال عمير بن الحمام الأنصاري وبيده تمرات يأكلهن‏:‏ بخ بخ‏!‏ ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء‏!‏ ثم ألقى التمرات من يده وقاتل حتى قتل‏.‏

ورمي مهجعٌ مولى عمر بن الخطاب بسهم فقتل فكان أول قتيل‏.‏

ثم رمي حارثة بن سراقة الأنصاري فقتل وقاتل عوف بن عفراء حتى قتل واقتتل الناس قتالًا شديدًا‏.‏

فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حفنة من التراب ورمى بها قريشًا وقال‏:‏ شاهت الوجوه‏.‏

وقال لأصحابه‏:‏ ولما كان رسول الله صلى الله عيه وسلم في العريش وسعد بن معاذ قائم على باب العريش متوشحًا بالسيف في نفر من الأنصار يحرسون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخافون عليه كرة العدو فرأى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس من الأسر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لكأنك تكره ذلك يا سعد قال‏:‏ أجل يا رسول الله أول وقعة أوقعها الله بالمشركين كان الإثخان أحب إلي من استبقاء الرجال‏.‏

وكان أول من لقي أبا جهل معاذ بن عمرو بن الجموح وقريش محيطة به يقولون لا يخلص إلى أبي الحكم قال معاذ‏:‏ فجعلته من شأني فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة أطنت قدمه بنصف ساقه وضربني ابنه عكرمة فطرح يدي من عاتقي فتعلقت بجلدة من جثتي فقاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي فلما آذتني جعلت عليها رجلي ثم تمطيت حتى طرحتها‏.‏

وعاش معاذ إلى زمان عثمان ـ رضي الله عنه ـ‏.‏

ثم مر بأبي جهل معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته وتركه وبه رمق ثم مر به ابن مسعود وقد أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يلتمس في القتلى فوجده بآخر رمق قال‏:‏ فوضعت رجلي على عنقه ثم قلت‏:‏ هل أخزاك الله يا عدو الله قال‏:‏ وبماذا أخزاني أعمد من رجل قتلتموه أخبرني لمن الدائرة قلت‏:‏ لله ولرسوله‏.‏

فقال له أبو جهل‏:‏ لقد ارتقيت يا رويعي الغنم مرتقىً صعبًا‏!‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ إني قاتلك‏.‏

قال‏:‏ ما أنت بأول عبد قتل سيده أما إن أشد شيء لقيته اليوم قتلك إياي وإلا قتلني رجل من المطيبين الأحلاف‏.‏

فضربه عبد الله فوقع رأسه بين رجليه فحمله إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسجد شكرًا لله‏.‏

وكان عبد الرحمن بن عوف قد غنم أدراعًا فمر بأمية بن خلف وابنه علي فقالا له‏:‏ نحن خير لك من هذه الأدراع‏.‏

فطرح الأدراع وأخذ بيده وبيد ابنه ومشى بهما فقال له أمية‏:‏ من الرجل المعلم بريشة نعامة في صدره قال‏:‏ حمزة بن عبد المطلب‏.‏

قال أمية‏:‏ هو الذي فعل بنا الأفاعيل‏.‏

ورأى بلال أمية وكان يعذبه بمكة فيخرج به إلى رمضاء مكة فيضجعه على ظهره ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ويقول‏:‏ لا تزال هكذا حتى تفارق دين محمد فيقول بلال‏:‏ أحد أحد فلما رآه بلال قال‏:‏ أمية‏!‏ رأس الكفر‏!‏ لا نجوت إن نجا‏!‏ ثم صرخ‏:‏ يا أنصار الله رأس الكفر رأس الكفر أمية بن خلف لا نجوت إن نجا‏!‏ فأحاط بهم المسلمون وقتل أمية وابنه علي وكان عبد الرحمن يقول‏:‏ رحم الله بلالًا ذهبت أدراعي وفجعني بأسيري‏.‏

وقتل حنظلة بن أبي سفيان بن حرب قتله علي بن أبي طالب‏.‏

ولما انهزم المشركون أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يقتل أبو البختري بن هشام لأنه كان أكف القوم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بمكة وكان ممن اهتم في نقض الصحيفة فلقيه المجذر بن ذياد البلوي حليف الأنصار ومعه زميل له فقال له‏:‏ إن رسول الله قد نهى عن قتلك‏.‏

فقال‏:‏ وزميلي فقال المجذر‏:‏ لا والله‏.‏

قال‏:‏ إذًا والله لأموتن أنا وهو لا تتحدث نساء قريش أني تركت زميلي حرصًا على الحياة‏.‏

فقتله ثم أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخبره‏.‏

وجيء بالعباء أسره أبو اليسر وكان مجموعًا وكان العباس جسيمًا فقيل لأبي اليسر‏:‏ كيف أسرته قال‏:‏ أعانني عليه رجلٌ ما رأيته قبل ذلك بهيئة كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد أعانك عليه ملكٌ كريم‏.‏

ولما أمسى العباس مأسورًا بات رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ساهرًا أول ليله فقال له أصحابه‏:‏ يا رسول الله ما لك لا تنام فقال‏:‏ سمعت تضور العباس في وثاقه فمنع مني النوم‏.‏

فقاموا إليه فأطلقوه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه يومئذ‏:‏ قد عرفت رجالًا من بني هاشم وغيرهم أخرجوا كرهًا فمن لقي منكم أحدًا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله فإنه أخرج كرهًا‏.‏

فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة‏:‏ أنقتل أبناءنا وآباءنا وإخواننا ونترك العباس والله لئن لقيته لألحمنه بالسيف‏.‏

فبلغ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال لعمر‏:‏ يا أبا حفص أما تسمع قول أبي حذيفة أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف فقال أبو حذيفة‏:‏ لا أزال خائفًا من تلك الكلمة ولا يكفرها عني إلا الشهادة‏.‏

فقتل يوم اليمامة شهيدًا‏.‏

وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأصحابه‏:‏ قد رأيت جبرائيل وعلى ثناياه النقع‏.‏

فقال رجع من بني غفار‏:‏ أقبلت أنا وابن عم لي فصعدنا جبلًا يشرف بنا على بدر ونحن مشركان ننظر لمن تكون الدائرة فننتهب فدنت منا سحابةٌ فسمعت فيها حمحمة الخيل وسمعت قائلًا يقول‏:‏ أقدم حيزوم قال‏:‏ فأما ابن عمي فمات مكانه وأما أنا فكدت أهلك فتماسكت‏.‏

وقال أبو داود المازني‏:‏ إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه فعرفت أنه قتله غيري‏.‏

وقال سهل بن حنيف‏:‏ كان أحدنا يشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف‏.‏

فلما هزم الله المشركين وقتل منهم من قتل وأسر من أسر أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن تطرح القتلى في القليب فطرحوا فيه إلا أمية بن خلف فإنه انتفخ فيدرعه فملأها فذهبوا به ليخرجوه فتقطع وطرحوا عليه من التراب والحجارة ما غيبه ولما ألقوا في القليب وقف عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال‏:‏ يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم‏!‏ كذبتموني وصدقني الناس‏!‏ ثم قال‏:‏ يا عتبة يا شيبة يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام وعدد من كان في القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا‏.‏

فقال له أصحابه‏:‏ أتكلم قومًا موتى فقال‏:‏ ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني‏.‏

ولما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأهل القليب ما قال رأى في وجه أبي حيفة بن عتبة الكراهية وقد تغير فقال‏:‏ لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء قال‏:‏ لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي وفي مصرعه ولكنه كان له عقل وحلم وفضل فكنت أرجو له الإسلام فلما رأيت ما مات عليه من الكفر أحزنني ذلك فدعا له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخير‏.‏

ثم إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر فجمع ما في العسكر فاختلف المسلمون فقال من جمعه‏:‏ هو لنا‏.‏

وقال الذين كانوا يقاتلون العدو‏:‏ والله لولا نحن ما أصبتموه نحن شغلنا القوم عنكم حتى أصبتم ما أصبتم‏.‏

وقال الذين كانوا يحرسون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في العريش‏:‏ والله ما أنتم بأحق به منا لقد رأينا أن نأخذ المتاع حين لم يكن له من يمنعه ولكن خفنا كرة العدو على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقمنا دونه‏.‏

فنزع الله الأنفال من أيديهم وجعلها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبسمها بين المسلمين على سواء‏.‏

وبعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن رواحة بشيرًا إلى أهل العالية وزيد بن حارثة بشيرًا إلى أهل السافلة من المدينة فوصل زيد وقد سووا التراب على رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت زوجة عثمان بن عفان خلفه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها وقسم له‏.‏

فلما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقيه الناس يهنئونه بما فتح الله عليه فقال سلمة بن سلامة بن وقش الأنصاري‏:‏ إن لقينا إلا عجائز صلعًا كالبدن المعقلة فنحرناها‏.‏

فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال‏:‏ يا بن أخي أولئك الملأ من قريش‏.‏

وكان في الأسرى النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط فأمر علي بن أبي طالب بقتل النضر فقتله بالصفراء وأمر عاصم بن ثابت بقتل عقبة بن أبي معيط فلما أرادوا قتله جزع من القتل وقال‏:‏ ما لي أسوة بهؤلاء يعني الأسرى ثم قال‏:‏ يا محمد من للصبية قال‏:‏ النار فقتله بعرق الظبية صبرًا‏.‏

وكان في الأسرى سهيل بن عمرو أسره مالك بن الدخشم الأنصاري فلما أتي به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال عمر بن الخطاب‏:‏ دعني أنزع ثنيتيه يا رسول الله فلا يقوم عليك خطيبًا أبدًا وكان سهيل أعلم الشفة السفلى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعه يا عمر فسيقوم مقامًا تحمده عليه فكان مقامه ذلك عند موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنذكره عند خبر الردة إن شاء الله‏.‏

ولما قدم به المدينة قالت له سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اعطيتم بأيديكم كما تفعل النساء ألا متم كرامًا‏!‏ فسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قولها فقال لها‏:‏ يا سودة أعلى الله وعلى رسوله‏!‏ فقال‏:‏ يا رسول الله ما ملكت نفسي حين رأيته أن قلت ما قلت‏.‏

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ استوصوا بالأسرى خيرًا‏.‏

وكان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه‏.‏

فكان أول من قدم مكة بمصاب قريش الحيسمان بن عبد الله الخزاعي فقالوا‏:‏ ما وراءك قال‏:‏ قتل عتبة وشيبة وأبو الحكم ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وعدد أشراف قريش‏.‏

فقال صفوان بن أمية‏:‏ والله إن يعقل فاسألوه عني‏.‏

فقالوا‏:‏ ما فعل صفوان قال‏:‏ هو ذاك جالس في الحجر وقد رأيت أباه وأخاه حين قتلا‏.‏

ومات أبو لهب بمكة بعد وصول خبر مقتل قريش بتسعة أيام وناحت قريش على قتلاهم ثم قالوا‏:‏ لا تفعلوا فيشمت محمد وأصحابه ولا تبعثوا في فداء أسراكم لا يشتط عليكم محمد‏.‏

وكان الأسود بن عبد يغوث قد أصيب له ثلاثة من ولده‏:‏ زمعة وعقيل والحارث وكان يحب أن يبكي على بنيه فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة فقال لغلامه وقد ذهب بصره‏:‏ انظر هل أحل البكاء لعلي أبكي على زمعة فإن جوفي قد احترق‏.‏

فرجع إليه وقال له‏:‏ إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته فقال‏:‏ أتبكي أن يضلّ لها بعيرٌ ويمنعها من النّوم السّهود ولا تبكي على بكرٍ ولكن على بدرٍ تقاصرت الجدود على بدرٍ بني هصيصٍ ومخزومٍ ورهط أبي الوليد وبكّي إن بكيت على عقيلٍ وبكّي حارثًا أسد الأسود وبكّيهم ولا تسمي جميعًا فما لأبي حكيمة من نديد ألا قد ساد بعدههم أناسٌ ولولا يوم بدرٍ لم يسودوا يعني أبا سفيان‏.‏

ثم إن قريشًا أرسلت في فداء الأسرى فأول من فدي أبو وداعة السهمي فداه ابنه المطلب وفدى العباس نفسه وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وحليفه عتبة بن عمرو بن جحدم أمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك فقال‏:‏ لا مال لي‏.‏

فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أين المال الذي وضعته عند أم الفضل وقلت لها إن أصبت فللفضل كذا ولعبد الله كذا ولعبيد الله كذا قال‏:‏ والذي بعثك بالحق ما علم به أحد غيري وغيرها وإني لأعلم أنك رسول الله‏!‏ وفدى نفسه وابني أخويه وحليفه وكان قد أخذ مع العباس عشرون أوقية من ذهب فقال‏:‏ احسبها في فدائي‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا ذاك شيء أعطاناه الله عز وجل‏.‏

وكان في الأساري عمرو بن أبي سفيان أسره علي فقيل لأبيه‏:‏ أفد عمرًا‏.‏

فقال‏:‏ لا أجمع علي دمي ومالي يقتل ابني حنظلة وأفدي عمرًا‏!‏ فتركه ولم يفكه‏.‏

ثم إن سعد بن النعمان الأنصاري خرج إلى مكة معتمرًا فأخذه أبو سفيان وكانت قريش لا تعرض لحاج ولا معتمر‏.‏

فحبسه أبو سفيان ليفدي به عمرًا ابنه وقال‏:‏ أرهط ابن أكّالٍ أجيبوا دعاءه تعاقدتم لا تسلموا السيّد الكهلا فإنّ بني عمروٍ لئامٌ أذلّةٌ لئن لم يفكّوا عن أسيرهم الكبلا فمشى بنو عمرو بن عوف إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فطلبوا منه عمرو بن أبي سفيان ففادوا به سعدًا‏.‏وكان في الأساري أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس زوج زينب بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان من أكثر رجال مكة مالًا وأمانة وتجارة وكانت أمة هالة بنت خويلد أخت خديجة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألته أن يزوجه زينب ففعل قبل أن يوحى إليه فلما أوحي إليه آمنت به زينب وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مغلوبًا بمكة لم يقدر أن يفرق بينهما فلما خرجت قريش إلى بدر خرج معهم فأسر فلما بعثت قريش في فداء الأسارى بعثت زينب في فداء أبي العاص زوجها بقلادة لها كانت خديجة أدخلتها معها فلما رآها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رق لها رقة شديدة وقال‏:‏ إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا‏.‏

فأطلقوا لها أسيرها وردوا القلادة‏.‏

وأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه أن يرسل زينب إليه بالمدينة وسار إلى مكة وأرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ زيد بن حارثة مولاه ورجلًا من الأنصار ليصحبا زينب من مكة فلما قدم أبو العاص أمرها باللحاق بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتجهزت سرًا وأركبها كنانة بن الربيع أخو أبي العاص بعيرًا وأخذ قوسه وخرج بها نهارًا‏.‏

فسمعت بها قريش فخرجوا في طلبها فلحقوها بذي طوىً وكانت حاملًا فطرحت حملها لما رجعت لخوفها ونثر كنانة أسهمه ثم قال‏:‏ والله لا يدنو مني أحد إلا وضعت فيه سهمًا‏!‏ فأتاه أبو سفيان بن حرب وقال‏:‏ خرجت بها علانيةً فيظن الناس أن ذلك عن ذل وضعف منا ولعمر ما لنا في حبسها حاجة فارجع بالمرأة ليتحدث الناس أنا رددناها‏.‏

ثم أخرجها ليلًا وسلمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأقامت عنده‏.‏

فلما كان قبيل الفتح خرج أبو العاص تاجرًا إلى الشام بأمواله وأموال رجال من قريش فلما عاد لقيته سرية لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخذوا ما معه وهرب منهم فلما كان الليل أتى المدينة فدخل على زينب فلما كان الصبح خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الصلاة فكبر وكبر الناس فنادت زينب من صفة النساء‏:‏ أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك وإنه ليجير على المسلمين ادناهم‏.‏

وقال لزينب‏:‏ لا يخلص اليك فلا يحل لك‏.‏

وقال للسرية الذين اصابوه‏:‏ إن رأيتم أن تردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاءه عليكم وأنتم أحق به‏.‏

قالوا‏:‏ يا رسول الله بل نرده عليه‏.‏

فردوا عليه ماله كله حتى الشظاظ ثم عاد إلى مكة فرد على الناس مالهم وقال لهم‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله والله ما منعني من الإسلام عنده إلا تخوف أن تظنوا أني إنما أردت أكل أموالكم‏.‏

ثم خرج فقدم على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرد عليه أهله بالنكاح الأول وقيل بنكاح جديد‏.‏وجلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد بدر وكان شيطانًا ممن كان يؤذي النبي وأصحابه وكان ابن وهب في الأساري فقال صفوان‏:‏ لا خير في العيش بعد من أصيب ببدر‏.‏

فقال عمير‏:‏ صدقت ولولا دين علي وعيال أخشى ضيعتهم لركب إلى محمد حتى أقتله‏.‏

فقال صفوان‏:‏ دينك علي وعيالك مع عيالي أسوتهم‏.‏

فسار إلى المدينة فقدمها فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب بإدخاله عليه فأخذ عمر بحمالة سيفة وقال لرجال معه من الأنصار‏:‏ ادخلوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحذروا هذا الخبيث‏.‏

فلما رآه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لعمر‏:‏ اتركه ثم قال‏:‏ ادن يا عمير ما جاء بك قال‏:‏ جئت لهذا الأسير‏.‏

قال‏:‏ اصدقني‏.‏

قال‏:‏ ما جئت إلا لذلك‏.‏

قال‏:‏ بل قعدت أنت وصفوان وجرى بينكما كذا وكذا‏.‏

فقال عمير‏:‏ أشهد أنك رسول الله هذا الأمر لم يحضره إلا أنا وصفوان فالحمد لله الذي هداني للإسلام‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فقهوا أخاكم في دينه وعلموه القرآن وأطلقوا له أسيره ففعلوا‏.‏

فقال‏:‏ يا رسول الله كنت شديد الأذى للمسلمين فأحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعو إلى الله وأوذي الكفار في دينهم كما كنت أوذي أصحابك‏.‏

فأذن له فكان صفوان يقول‏:‏ أبشروا الآن بوقعة تأتيكم تنسيكم وقعة بدر‏.‏

فلما قدم عمير مكة أقام بها يدعو إلى الله فأسلم معه ناس كثير وكان يؤذي من خالفه‏.‏وقدم مكرز بن حفص بن الأخيف في فداء سهيل بن عمرو وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشاور أبا بكر وعمر وعليًا في الأساري فأشار أبو بكر بالفداء وأشار عمر بالقتل فمال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الفداء فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏مَا كَانَ لنَبِيٍ أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى حَتّى يُثْخِنَ في الأرْضِ‏}‏ ‏[‏ الأنفال‏:‏ 67‏]‏‏.‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 67 ‏:‏ 68‏]‏‏.‏ وكان الأسرى سبعين فقتل من المسلمون عقوبة بالمفاداة يوم أحد سبعون وكسرت رباعية رسول الله وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه وانهزم أصحابه فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏أوَ لَمَّا أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 165‏]‏‏.‏

وكان جميع من قتل من المسلمين ببدر أربعة عشر رجلًا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار‏.‏

ورد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماعةً استصغرهم منهم‏:‏ عبد الله بن عمر ورافع بن خديج والبراء ابن عازب وزيد بن ثابت وأسيد بن حضير‏.‏

وضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لثمانية نفر بسهم في الأنفال لم يحضروا الوقعة منهم‏:‏ عثمان بن عفان كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خلفه على زوجته رقية بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمرضها وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد كان أرسلهما يتجسسان خبر العير وأبو لبابة خلفه على المدينة وعاصم بن عدي خلفه على العالية والحارث بن حاطب رده إلى بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنهم والحارث بن الصمة كسر بالروحاء وخوات بن جبير كسر في بدر أسفل سيفه ذي الفقار وكان لمنبه بن الحجاج وقيل كان للعاص ابن منبه قتله علي صبرًا وأخذ سيفه ذا الفقار فكان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوهبه لعلي‏.‏

رحضة بفتح الراء المهملة والحاء المهملة والضاد المعجمة‏.‏

والحبار بضم الحاء المهملة والباء الموحدة وأسيد بن حضير بضم الهمزة والضاد المعجمة‏.‏

وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدار المهملة‏.‏